حملات الكراهية الغربية ضد رواندا- تشويه للحقائق وتجاهل للتقدم

المؤلف: د. بوجانا كوليبالي10.26.2025
حملات الكراهية الغربية ضد رواندا- تشويه للحقائق وتجاهل للتقدم

على امتداد العقدين الفائتين، يواجه الشعب الرواندي ورئيسه بول كاغامي حملات تشويه متكررة، تتصاعد وتيرتها مع اقتراب كل موسم انتخابي. وتجلت أحدث فصول هذه الحملات المغرضة في سلسلة تحقيقات صحفية نشرتها وسائل إعلام غربية تحت عنوان "ملفات رواندا".

تحت مظلة شبكة صحفية تدعى "القصص المحرمة"، عمل قرابة خمسين صحفيا استقصائيا من أوروبا وإسرائيل على إنتاج العشرات من المقالات والأفلام الوثائقية التي تم نشرها في كبرى وسائل الإعلام الغربية، بما في ذلك صحيفة هآرتس الإسرائيلية. ركزت هذه المواد، التي حملت عنوان "ملفات رواندا"، على انتقاد ما وصفوه بأسلوب الرئيس بول كاغامي "القمعي والديكتاتوري المزعوم".

في رد سريع ومباشر، قام ثلاثون مؤرخا، وكاتبا، وصحفيا، وخبيرا في الشأن الرواندي بنشر مقال مشترك في صحيفتي "لو بوان" و"جون أفريك" الفرنسيتين، حيث اعتبروا الحملة الإعلامية مجرد تكرار لادعاءات قديمة عارية من الصحة. وأشاروا إلى أن القائمين على الحملة فشلوا في الحفاظ على الحيادية والاعتماد على مصادر موثوقة لإثبات مزاعمهم.

أكد هؤلاء الخبراء أن الحملة، التي اتهمت الرئيس كاغامي بالضلوع في اغتيالات مزعومة، استندت بشكل كامل إلى شهادات أشخاص ينكرون الإبادة الجماعية التي وقعت عام 1994 ضد التوتسي. بل إنها اعتمدت على شهادات مدانين بارتكاب الإبادة الجماعية، مثل تشارلز نديريهي، الذي أدانته محكمة العدل الرواندية عام 2008 بتهمة التخطيط والإشراف على مذابح عام 1994، وثريز دوسابي، وهي ممرضة سابقة متهمة بتقطيع أرحام نساء التوتسي الحوامل أثناء الإبادة.

كما استندت الحملة إلى شهادة بول روسيساباغينا، الذي تم تقديمه كزعيم سياسي معارض. ومن المفارقات أن نشر هذه الحملة تزامن مع اعتراف روسيساباغينا بذنبه وإدانته بتهمة الإرهاب لتمويل وقيادة هجوم إرهابي في رواندا عام 2009، والذي أسفر عن مقتل تسعة أشخاص.

يبدو جليا أن توقيت هذه الحملة، ذات الطابع الأوروبي، يهدف إلى التشويش على إعادة انتخاب الرئيس الرواندي لولاية رئاسية رابعة مرتقبة.

لكن هناك جانبا آخر للقصة، يناقض الصورة المشوهة التي رسمتها "ملفات رواندا" ومن يقف وراءها. فالرئيس بول كاغامي يحظى بشعبية جارفة في رواندا وعموم القارة الأفريقية، نظرا لصفاته القيادية المتميزة، ودوره المحوري في وقف الإبادة الجماعية عام 1994، عندما تخلى المجتمع الدولي عن أقلية التوتسي وتركهم فريسة لميليشيات متطرفة من الهوتو وقوات حكومية مارقة مارست الإبادة.

قد يكون لهذه الهجمات الإعلامية الموسمية دوافع أخرى، تتعلق بالنهضة "المستحيلة" التي حققتها الدولة الرواندية الصغيرة. فبالرغم من كل التحديات والصعاب والأحكام المسبقة التي تواجهها القارة الأفريقية، حققت رواندا نجاحا لافتا في إعادة الإعمار والمصالحة الوطنية بعد الإبادة الجماعية.

بعد مرور ثلاثة عقود فقط على تلك المذابح المروعة التي أودت بحياة مليون شخص في غضون ثلاثة أشهر فقط، حققت رواندا إنجازات استثنائية. فقد تم إطلاق برنامج شامل للرعاية الصحية، وتحقيق أعلى معدل للالتحاق بالمدارس الابتدائية في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وتسجيل أسرع وتيرة لتوصيل خطوط الكهرباء.

بخلاف ادعاءات الحملة، يتمتع الرئيس كاغامي بشعبية كبيرة في رواندا وعبر القارة الأفريقية، لسماته القيادية الشخصية، ولأنه قاد النضال الذي أوقف الإبادة الجماعية في عام 1994 عندما وقف العالم عاجزا

علاوة على ذلك، أصبحت رواندا وجهة سياحية بيئية بارزة في أفريقيا، وتتصدر قائمة الدول في تحقيق المساواة بين الجنسين، حيث تبلغ نسبة تمثيل المرأة في البرلمان 64%. كما تحتل رواندا المرتبة الرابعة كأكبر مساهم في قوات حفظ السلام على مستوى العالم.

إزاء هذه المعطيات، يتبادر إلى الذهن سؤال ملح بعد هذه الحملة الإعلامية الممنهجة: إلى متى سيستمر الغرب في تبني موقف استعماري ومتعال تجاه دولة أفريقية اختارت طريق الاعتماد على الذات، وأصبحت منارة للتنمية، ومناهضة للانقسام، وداعمة للوحدة في سائر أنحاء أفريقيا؟

لقد كشفت حملة "ملفات رواندا" عن غياب النزاهة الصحفية والانحياز الصارخ لفريق ينكر الإبادة الجماعية أو شارك فيها. والأدهى من ذلك أن توقيت بثها تزامن مع إحياء ذكرى هذه الإبادة التي وقف المجتمع الدولي متفرجا عليها، ثم يخرج علينا اليوم من يلقي دروسا في الديمقراطية والحرية ويبيض صفحة المتورطين في القتل.

إذا كان هناك من درس مستفاد من هذه الحملة، فهو أن هذا الموقف الاستعماري لوسائل الإعلام الغربية، بالإضافة إلى تصرفات المؤسسات السياسية الدولية تجاه رواندا، التي نهضت من تحت الركام وحققت تقدما ملحوظا بعد الإبادة الجماعية، يؤكد أن من يدعي أن أفريقيا غير مستعدة للتخلص من عبودية مستعمريها هو كاذب. فالحقيقة المؤلمة هي أن المستعمر السابق يرفض التخلي عن تفوقه العرقي.

الأجدر بوسائل الإعلام والمؤسسات الغربية، إن كانت صادقة في حديثها عن أهمية بناء شراكة سياسية واقتصادية وثقافية متينة مع قارة غنية بالموارد، أن تغير من أساليبها بدلا من التمسك بعنصريتها العتيقة وممارسة الاستغلال والتعالي على أرضية غير متكافئة.

رواندا، التي تعد اليوم من أكثر الدول الأفريقية أمانا للاستثمار التجاري، تستحق أن يتم الترويج لها في الغرب كنموذج يحتذى به للتنمية في أفريقيا، بدلا من توبيخها بخطاب إعلامي تحريضي يقوده الغرب وأذنابه من منكري الإبادة الجماعية.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة